الاثنين، 3 يناير 2011

الحلقة الرابعة -خارج حسابات الزمن

 لون الظلام .استحال إلى نقيضه على السرير الأبيض في المستشفى ، في ظل الرؤية الضبابية  لأناس كالأشباح ،ما لبثت أن اتضحت فهؤلاء عادل  ورءوف وأحمد ،  وهذه رباب ابنة عمه التي نطقت أول كلمة سمعتها أذنه : حمدا لله على سلامتك يا كمال ولم تترك دهشته وذهول عينيه و إرادته للتحرك مجالا للرد ، فمع آهته تذكر ما حدث و أكمل له عادل بقية الرواية وكيف تطور أمر إصابته من كسر عادي في القدم اليسرى إلى كسر مضاعف تطلب إجراء جراحة بسبب التعامل بتعسف معه كمصاب من قبل مجموعة من حسني النوايا الذين أرادوا المساعدة وبناء عليه سوف يقضي في الجبس شهران كاملان وداعبه قائلا: أرأيت يا أبو كمال كيف جاءتك إجازة إجبارية ؟ وهو ما دعاه للابتسام وقال : أتشمت بي يا عادل ؟ فتدخل حسني: صراحة تستحقها يا ابن خالتي حتى ترحم نفسك وتعرف أن لبدنك عليك حق، وترحمنا من أنسك شوية .. مش كل يوم  يا أخي، ليضحكوا جميعا ويضحك هو كما لم يضحك من قبل وسط مؤتمر من أحبابه لم تسمح له الأيام بالاجتماع  منذ زمن وكانت ضريبة اجتماعه هي هذه الإصابة لكن ما أدراه
 "لعله خير" .....
هذه هي العبارة التي تفوهت بها ردينه صادق عندما أخبرتها ل بقلقها الشديد وأن  ثمة شئ حرمها النوم ليلة أمس وردينه هي  زميلة دراسة  قديمة تخرجت في كلية الطب.. طبيبة أطفال ماهرة، ولعل هذا سبب قوي يجعلها أرق القلوب التي تتعامل معها ل وتثق بها، ولكن بعيدا عن ذلك المرض  الذي مرضت به صديقتها المقربة جدا منذ عام لسبب لا تعرفه كطبيبة والمسمى من وجهة نظرها كمال سالم، لذا فعند يأسها من علاجه صارت تتعامل معه كأمر واقع وجزء من ل عليها احتماله وان ضجرت منه ،وكرد فعل على هذا كانت ل تتحاشى الحديث عن ذلك الغريب القريب أمام ردينه حتى وان شعرت بأن جرح قلبها وألمه مصدره مكروه أصاب هذا الرجل وهذا ما أكدته الصحف التي تناقلت الخبر بسرعة البرق ظهر ذلك اليوم ،في وقت كانت ل تحاول فيه التعلق بخيوط النوم التي تقطعت بالأمس و يكبر لديها إحساس مجهول يدعم رغبتها في البكاء حيث راوغتها العبرات وشقت طريقها على وجنتيها دون سبب وجيه وهو ما جعلها تستعذ بالله وتستغفره ثم قامت لاعداد الطعام  وفي المطبخ ،كانت صوت الأنغام الصادرة عن المذياع يجرحها ويستعذب أناتها إلى حد شكت معه في وجود مؤامرة لجعل هذا اليوم يوم حزن وهذا ما جعلها تترك المطبخ ، لتتسابق مع الدقائق العشر اللاتي كن تفصلنها عن موعدها الأول مع تخاريف هذا الأسبوع ، في إعداد الطقوس الخاصة بالمشاهدة فبخطوات واسعة اتجهت للمطبخ بعيون فرحة بخلو حوض الغسيل من الصحون ، وحريصة على إطفاء أي مصدر للنار أو الغاز أو الماء،ووضعت كوبا من العصير على الرف لينتظرها ولكن الدقائق العشر لم تنتظرها حتى تكمل إجراءات الأمن حيث كان اتجاهها هذه المرة إلى باب الشقة تحكم أقفاله ليحسبها الرائي مريضة بالوسواس القهري لكنها الوحدة يا سادة وهو الخوف ، الخوف الذي ثبتها إلى الأرضية كالمسمار مع رؤيتها وجه كارمن تقول
وبعد صخب ساد يومه في المستشفى نام كمال ،نوم لم تزره الأحلام بخير أو بشر ،قطعته أكثر من مرة مكالمات الأحباب وزيارات القريبين إلى القلب ممن تتوق النفس للقائهم والحديث معهم بلا انقطاع والضحك بقهقهة لا تخجل ولا تصدها الآلام حتى إذا خلا إلى نفسه تألم كما لم يتألم من قبل ونام ملء جفنيه ثم أيقظه الألم  ،ليجد رباب إلى جانبه تجلس على كرسي لا يحث على أي ارتياح ، تخاصم الطعام الذي يأكله أحمد ورءوف ، وهنا ابتسم كمال وهو ينظر إلى عيني رءوف التي تعلقت برباب تتمنى مسح كآبتها ويده التي كفت عن الطعام تضامنا معها في حين أن شقيقه أحمد كان يأكل غير آبه بمخلوق على الأرض وكأنه آخر زاده  وأمام هذا المشهد مزق طريح الفراش حبال الصمت وقال
: سأكون وحدي اليوم ألتقي بكم وللأسف بلا زميلي كمال سالم الذي تعرض لحادث أليم ليلة أمس أصيب على إثره بكسر في قدمه ، سلامتك يا كمال ويارب ترجع بسرعة وبلا حراك صمت آذانها عن باقي حديث كارمن و فر العصير من قبضتها وتهاوى الكوب موقنا بأنها النهاية فصرخ وتناثرت شظاياه على الأرض ليبكيه البرتقال في التياع  ، وتشاركه هي البكاء في صمت.
: مساء الخير ،فأجابته لهفة رباب وابتسامها التي شدها خيط بوجه رءوف جعله يلتفت إليها وعلى وجهه تعبيرات شتى ، صدمت وجه أحمد فرد بفم يملأه الطعام :مساء النور يا أبو كمال ، تفضل إلى الطعام فرد عليه كمال ضاحكا:  وهل تركت لي طعاما يا أحمد  ؟ فضحكت رباب ومعها ابنا عمها الشقيقان في حين تأوه كمال فوجدها تلتصق بسريره وقالت: بم تشعر هل أنادي الطبيب ؟ فصفعها بنظرة استنكار وهز رأسه نفيا فاحمر وجهها وتراجعت وأصابت الكهرباء جو الغرفة وأصبح الصمت متحفزا وكمال يقرأ العيون بمهارة ، في حين كان أحمد أكثر شجاعة وقال: هلم يا رءوف حتى نحضر الطعام لكمال ولم يستجب رءوف فشده أخوه وخرجا،  في حين قال كمال لرباب: أعتقد أنك لابد أن تستريحي وتذهبي للمنزل فلم يتبق لي في المستشفى سوى الليلة  ومعي أحمد ، لذا فهيئي نفسك ، حتى يأتي رءوف فيقوم بتوصيلك في طريقه ، ولم يرد لسانها بل أشاحت بوجهها عنه وترقرقت دمعة في عينيها وهي تلتقط حقيبة يدها في غضب لاحظه دون تعقيب ، الأمر الذي جعل رنين الهاتف الداخلي يأتي في وقته منذرا بزيارة لم يتأخر المصعد في كشف غموضها وتأهب الباب المفتوح لاستقبالها ،ولم يكذب ضمير الغائب في الغموض والاستقبال فالقادم كان امرأة..امرأة كانت أقدر من كمال على رباب التي خرجت من الغرفة كسيرة الفؤاد ، وأشد تأثيرا عليه من جراحه التي عصفت به ولم تجمد ملامحه.